في ظل أزماتٍ تعصف بالمنطقة العربية، يأخذ المسرح على عاتقه طرح تساؤلات جوهرية حول مصير الإنسان وتحدياته الوجودية والاجتماعية. مساء الجمعة 27 ديسمبر2024، شهدت قاعة الفن الرابع بتونس العاصمة عرضًا جديدًا لمسرحية “آخر البحر”، التي أخرجها المبدع الفاضل الجعايبي وأنتجها المسرح الوطني التونسي بالشراكة مع مركز الفنون بجربة.
من ميديا الأسطورة إلى عاتقة الواقع
المسرحية تقدم إعادة صياغة مدهشة لأسطورة “ميديا” الإغريقية، المرأة التي قتلت ابنيها انتقامًا من خيانة زوجها. لكن الجعايبي لا يتوقف عند حدود الحكاية الكلاسيكية، بل يفتح نوافذ جديدة للحوار، مستحضرًا “ميديا” في أجواء الحاضر العربي المليء بالفوضى والآلام.
بطلة المسرحية، “عاتقة”، التي جسّدتها ببراعة صالحة النصراوي، تعيش صراعًا يتقاطع مع مأساة “ميديا”. قادمةً من اليمن الذي تحوّل من “سعيد” إلى “تعيس”، تبحث عاتقة عن خلاصٍ شخصي، لكنها تصطدم بواقع عربي قاسٍ يتخلله العنف، الفساد، والهجرة غير النظامية.
قضايا تتحدث بلسان العصر
“آخر البحر” تتناول موضوعات حيوية تمس أوتارًا حساسة في المجتمعات العربية. من زواج القاصرات إلى الحريات الفردية، ومن العنف الأسري إلى فساد السلطة، تنقل المسرحية قضايا معاصرة إلى الخشبة، ما يجعلها أكثر قربًا من واقع المشاهدين.
تطرح المسرحية سؤالًا فلسفيًا عميقًا: “من يحاكم من؟” حيث يصبح الإنسان متهمًا وقاضيًا في آنٍ واحد، مستعرضةً الصراعات النفسية والاجتماعية التي تتلبس الشخصيات.
إبداع فني متكامل
لم تكن “آخر البحر” مجرد نص مسرحي، بل تجربة بصرية وحسية متكاملة. من السينوغرافيا المدهشة إلى الإضاءة التي تعكس تعقيدات القصة، أبدع الفاضل الجعايبي وفريقه في تقديم عرض يمزج بين الجماليات الفنية والعمق الفكري.
الموسيقى التصويرية، من تأليف أحمد بنجامي، أضافت بعدًا دراميًا مكثفًا، بينما أضاءت الأداءات التمثيلية القوية لكل من صالحة النصراوي، محمد شعبان، وريم عيّاد المشاعر والتفاصيل الدقيقة في شخصياتهم.
المسرح بين الواقع والحوار المجتمعي
في تصريح خاص لـ”موزاييك”، أشار أسامة الجامعي، المكلف بالتنسيق الفني، إلى دور المسرح في مواجهة تحديات العصر، قائلاً: “اليوم، الجمهور متعطش لمسرح يناقش قضاياه بجرأة. هذه المسرحية تقدم قراءة جديدة ومتجددة للواقع في كل عرض.”
وأضاف الجامعي أن العمل يسعى للانتشار في الجهات الداخلية، حيث يطالب الجمهور بالمزيد من العروض التي تعكس همومهم اليومية.